سورة الدخان - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الدخان)


        


{فَأْتُواْ بِئَابَائِنَا} خطابٌ لمن وعَدَهُم بالنُّشورِ من الرسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمؤمنينَ {إِن كُنتُمْ صادقين} فيمَا تعِدونه مِنْ قيامِ السَّاعةِ وبعثِ الموتَى ليظهر أنَّه حقٌّ وقيلَ: كانُوا يطلبونَ إليهم أنْ يدعُوا الله تعالى فينشُرَ لهم قُصَيَّ بنَ كلابٍ ليشاورُوه وكانَ كبيرَهُم ومفزَعَهُم في المهمَّاتِ والملمَّاتِ.
{أَهُمْ خَيْرٌ} ردٌّ لقولِهم وتهديدٌ لَهُم أيْ أهُم خيرٌ في القوةِ والمنعةِ اللتينِ يُدفعُ بهما أسبابُ الهلاكِ {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبعٌ الحميريُّ الذي سارَ بالجيوشِ وحيَّر الحِيرةَ وبني سمرقندَ وقيل هدمَها وكان مؤمناً وقومُه كافرينَ ولذلكَ ذمَّهم الله تعالَى دونَهُ وكان يكتبُ في عنوانِ كتابِه بسمِ الله الذي ملكَ بحراً وبحراً أي بحاراً كثيرةً وعنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تسبُّوا تُبعاً فإنَّه كانَ قد أسلمَ» وعنْهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «ما أدْرِي أكانَ تبعٌ نبياً أو غيرَ نبيَ» وعن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا: أنَّه كانَ نبياً. وقيلَ لملوكِ اليمنِ التبابعةِ لأنَّهم يُتبعونَ، كما يقالُ لهم الأقيالُ لأنَّهم يتقيَّلونَ. {والذين مِن قَبْلِهِمْ} عطفٌ على قومُ تبعٍ والمرادُ بهم عادٌ وثمودُ وأضرابُهم من كلِّ جبَّارٍ عَنيدٍ أولي بأسٍ شديدٍ. والاستفهامُ لتقريرِ أنَّ أولئكَ أقوى مِنْ هؤلاءِ. وقولُه تعالَى {أهلكناهم} استئنافٌ لبيانِ عاقبةِ أمرِهم. وقولُه تعالَى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} تعليلٌ لإهلاكِهم ليَعلمَ أنَّ أولئكَ حيثُ أهُلكُوا بسببِ إجرامِهم معَ ما كانُوا في غاية القوةِ والشدةِ فلأنْ يَهلكَ هؤلاءِ وهم شركاءُ لهم في الإجرامِ أضعفُ منهم في الشدةِ والقوةِ أَوْلَى.
{وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي ما بينَ الجنسينِ. وقرئ: {وما بينهنَّ} {لاَعِبِينَ} لاهينَ من غيرِ أنْ يكونَ في خلقِهما غرضٌ صحيحٌ وغايةٌ حميدةٌ. {مَا خلقناهما} وما بينَهما {إِلاَّ بالحق} استثناءٌ مفرغٌ من أعمِّ الأحوالِ أو أعمِّ الأسبابِ أي ما خلقناهُمَا ملتبساً بشيءٍ من الأشياءِ إلا ملتبساً بالحقِّ أو ما خلقناهُمَا بسببٍ من الأسبابِ إلا بسببِ الحقِّ الذي هُو الإيمانُ والطَّاعةُ والبعثُ والجزاءُ. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنَّ الأمرَ كذلكَ فينكرون البعثَ والجزاءَ {إِنَّ يَوْمَ الفصل} أي فصلِ الحقِّ عن الباطلِ وتمييزِ المحقِّ من المبطلِ أو فصلِ الرجلِ عن أقاربِه وأحبَّائِه {ميقاتهم} وقتَ موعدِهم {أَجْمَعِينَ} وقرئ: {ميقاتَهُم} بالنصبِ على أنَّه اسمُ إنَّ ويوم الفصلِ خبرُها أي أنَّ ميعادَ حسابِهم وجزائِهم في يومِ الفصلِ.


{يَوْمَ لاَ يُغْنِى} بدلٌ من يومَ الفصلِ أو صفةٌ لميقاتُهم أو ظرفٌ لما دلَّ عليه الفصل لا لنفسِه {مَوْلَى} مِنْ قرابةٍ أو غيرِها {عَن مَّوْلًى} أيُّ مَوْلَى كانَ {شَيْئاً} أيْ شيئاً من الإغناءِ {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الضميرُ لمولَى الأول باعتبارِ المَعْنى لأنَّه عامٌّ.
{إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} بالعفوِ عنْهُ وقبولِ الشفاعةِ في حقِّه، ومحلُّه الرفعُ على البدلِ من الواوِ أو النصبُ على الاستثناءِ {إِنَّهُ هُوَ العزيز} الذي لا يُنصرُ من أرادَ تعذيبَهُ {الرحيم} لمنْ أرادَ أنْ يرحَمهُ {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} وقرئ بكسرِ الشينِ وقد مرَّ مَعْنى الزقومِ في سورةِ الصَّافاتِ {طَعَامُ الأثيم} أي الكثيرِ الآثامِ والمرادُ به الكافرُ لدلالةِ ما قبلَهُ وما بعدَه عليهِ {كالمهل} وهو ما يُمهلُ في النَّارِ حتَّى يذوبَ وقيلَ: هو دُرْدِيُّ الزَّيتِ {يَغْلِى فِى البطون} وقرئ بالتاءِ على إسنادِ الفعلِ إلى الشَّجرةِ. {كَغَلْىِ الحميم} غلياناً كغليهِ {خُذُوهُ} عَلى إرادةِ القولِ والخطابُ للزبانيةِ {فاعتلوه} أي جُرُّوه، والعَتلُ الأخذُ بمجامعِ الشيءِ وجرُّه بقهرٍ وعنفٍ وقرئ بضمِّ التاءِ وهي لغةٌ فيهِ. {إلى سَوَاء الجحيم} أي وسطِه {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} كانَ الأصلُ يصبُّ من فوقِ رؤوسِهم الحميمُ فقيلَ يصبُّ من فوقِ رؤوسِهم عذابٌ هو الحميمُ للمبالغةِ ثم أضيفَ العذابُ إلى الحميمِ للتخفيفِ وزيدَ من للدلالةِ على أنَّ المصبوبَ بعضُ هذا النوعِ {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي وقولُوا له ذلكَ استهزاءً بهِ وتقريعاً له على ما كانَ يزعمُه، رُويَ أنَّ أبا جهلٍ قالَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ما بينَ جبليَها أعزُّ ولا أكرمُ منِّي فوالله ما تستطيعُ أنتَ ولا ربُّك أنْ تفعَلا بي شيئاً. وقرئ بالفتحِ أي لأنَّك أو عذابُ أنَّك {إِنَّ هَذَا} أي العذابَ {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكونَ وتُمارونَ فيهِ والجمعُ باعتبارِ المعنى لأنَّ المرادَ جنسُ الأثيمِ.


{إِنَّ المتقين} أيْ عن الكفرِ والمَعَاصِي {فِى مَقَامٍ} في موضعَ قيامٍ، والمرادُ المكانُ على الإطلاقِ فإنَّه من الخاصِّ الذي شاعَ استعمالُه في مَعْنى العمومِ. وقرئ بضمِّ الميمِ وهو مَوضعُ إقامة {أَمِينٌ} يأمن صاحبُه الآفاتِ والانتقالَ عنْهُ وهو منَ الأمنِ الذي هُو ضدُّ الخيانةِ، وصفَ به المكانُ بطريقِ الاستعارةِ، كأنَّ المكانَ المخيفَ يخونُ صاحبَهُ لما يَلْقى فيهِ من المكارِه {فِى جنات وَعُيُونٍ} بدلٌ من مقامٍ جيءَ بهِ دِلالةً على نزاهتِه واشتمالِه على طيباتِ المآكلِ والمشاربِ {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} إما خبرٌ ثانٍ أو حالٌ من الضميرِ في الجارِّ، أو استئنافٌ. والسندسُ ما رقَّ من الحريرِ، والإستبرقُ ما غلُظَ منْهُ معرَّبٌ. {متقابلين} في المجالسِ ليستأنسَ بعضُهم ببعضٍ {كذلك} أي الأمرُ كذلكَ أو كذلكَ أثبناهُم {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} على الوصفِ وقرئ بالإضافةِ أي قرنّاهم بهنَّ والحورُ جمعُ الحوراءِ وهي البيضاءُ، والعينُ جمعُ العيناءِ وهي العظيمةُ العينينِ واختُلفَ في أنهنَّ نساءُ الدُّنيا أو غيرُها {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة} أي يطلبونَ ويأمرونَ بإحضارِ ما يشتهونَهُ من الفواكهِ لا يتخصصُ شيءٌ منها بمكانٍ ولا زمانٍ {ءامِنِينَ} من كلِّ ما يسوؤهم {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} بل يستمرُّونَ على الحياةِ أبداً والاستثناءُ منقطعٌ أو متصلٌ على أنَّ المرادَ بيانُ استحالةِ ذوقِ الموتِ فيها على الإطلاقِ كأنَّه قيلَ: لا يذوقونَ فيها الموتَ إلا إذا أمكن ذوقُ الموتةِ الأُولى حينئذٍ {ووقاهم عَذَابَ الجحيم} وقرئ مشدداً للمبالغةِ في الوقايةِ. {فَضْلاً مّن رَّبّكَ} أي أُعطوا ذلكَ كلُّه عطاءً وتفضلاً منه تعالَى. وقرئ بالرفعِ أي ذلكَ فضلٌ {ذلك هُوَ الفوز العظيم} الذي لا فوزَ ورِاءَهُ إذ هُو خلاصٌ عن جميعِ المكارِه ونيلٌ لكلِّ المطلبِ. وقولُه تعالى {فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فذلكةٌ للسورةِ الكريمةِ إنَّما أنزلنَا الكتابَ المبينَ بلغُتكَ كيَ يفهمُه قومُك ويتذكروا ويعملُوا بموجبِه وإذْ لم يفعلُوا ذلكَ {فارتقب} فانتظرْ ما يحِلُّ بهم {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} ما يحلُّ بكَ. رُويَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ حم الدخان ليلةَ الجمعةِ أصبحَ مغفوراً لهُ».

1 | 2 | 3